المحراب اللاجئ...قصة الشيخ العلامة محمد عالي أحمد جدو

اثنين, 16/01/2023 - 11:50

المحراب اللاجئ :

انطلق مع عائلته بعد أن اجتاحت أرضها أرتال من المستوطنين القادمين إلى الصحراء الغربية من المغرب الأقصى وتعاورها جيشا طرفين من أطراف اتفاقية مدريد في منتصف سبعينيات القرن المنصرم وهو مايزال طفلا غضا.

  استقر به المقام في أرض لحماده في الجنوب الجزائري لاجئا يفتقد شرط الإقامة بنية التأبيد،

  ضعف بصره مبكرا وظل ينمي بصيرته النفاذة مستعينا بجينات الحفظ التي جلبها جده الشريف أحمد جدُّ التنواجيوي من الحوض الغربي إلى الصحراء الغربية منذ جيلين على الأرجح.

  صحب الوحي حفظا وتجويدا ورسما وضبطا بالسماع والمساكنة والمؤالفة.

   يبتعث من تلامذته من أراد منهم نيل الإجازة القرآنية إلى حيث يمكنه نيلها من مضابط ومحاظر موريتانيا بروايتي ورش وقالون.

   يتخذ من كبار تلامذته الذين تخرجوا على يديه مساعدين،

أسس منذ نهاية تسعينيات القرن المنصرم دارا للقرآن الكريم بمخيم الداخله للاجئين الصحراويين. فنثر لاجئين حفظة ضليعين باستنطاق النصوص ومناطات الأحكام.

  يدلف إلى المسجد قبيل الشروع في إقامة الصلاة. وللنساء حظ من التدريس. وهبه الله هيئة لطيفة وقبولا وطلة نورانية وحضرة ربانية في مجتمع يقاسي الأمرين في العض على النواجذ من أجل استرجاع حقوقه دون أن ينسى روحه.

لا أعتقد أن رابطة العالم الإسلامي ولا منظمة التعاون الإسلامي زارتاه. فهو ينتمي لشعب نسيه عرب الممالك المعاصرة وتناسته بعض الجمهوريات العربية فنظر إليه بقية حكام المسلمين من غير العرب بعيون عربية مؤسساتية مريبة.

  مُقِلٌّ في الحديث وليست لديه صور فوتوغرافية منشورة في إعلام الأغيار. اجترح رحلة من نوع آخر تتمثل منذ زهاء ثلاثة عقود أنوار دار الأرقم بن أبي الأرقم في أرض لحماده.

  مسجده ومحظرته ومراقد طلابه وأشياؤه البسيطة ولجوؤه بعيدا عن أرضه وأرض أمه. تفاصيل مهملة أمام عزيمته وشكيمته وتواضعه ونورانية جهوده.

  ظل الشيخ محمد عال ولد محمد ولد أحمد جدُّو في الملاجئ الصحراوية رئة للقرآن ومحرابا لاجئا قليل الكلام كثير الأفعال يتعهد رسالة السماحة ووعاء التوحيد وآي الذكر بالرعاية والسهر وكأنه حين تعذر عليه حمل السلاح مع أهله وذويه ومجتمعه أراد أن يقاتل ويناضل لتحرير أرضه بطريقته عبر اللسان والشفتين والبنان.

  محراب ولد أحمد جدُّو آية من آيات الله تعالى جمعت الجمال والجلال والبهاء في إحدى أندر تجليات الزهاد في عصرنا الحديث.

  الشيخ محمد عالي ولد محمد ولد أحمد جدُّ ليس الوحيد الذي تعلم القرآن وعلمه في مخيمات اللاجئين الصحراويين لكنه تفرد بخصوصيته اللدنية وتجربته العريضة فارتدى عن وعي جلباب الآي والتفقه والتعلم والتعليم دون أن يستسلم لإكراهات الانثربولوجيا والجيوسياسة والمناخ.

  وفهم مبكرا أن القلم سابق في المخلوقية على الحرف ووضع العقل على الواجهة في وضع زمكاني خرافي بقوته الآسرة وإنسانيته الثائرة على التنميط والتثبيط فكان ماكان.

  ودعته وتلامذته بعد أن استأذنته في التصوير والنشر لأن إحساسا كبيرا اجتاحني حين لقيته بأنه إنسان من نوع خاص بكل ما في الكلمة من معنى.

إسماعيل يعقوب الشيخ سيديا

  

        

بحث