هكذا عايشت المرحوم سيدي ولد الشيخ عبد الله وعرفته عن قرب

أربعاء, 23/12/2020 - 14:41

خلال صيف عام 2006 وبالتزامن مع تراجع المبادرات الداعية إلى تمديد المرحلة الانتقالية وتمكين العسكريين من إطالة فترتهم في الحكم عبر ما عرف حينها ب "البطاقة البيضاء"، بدا أن البلاد مقبلة على انتخابات سياسية، بلدية وتشريعية ورئاسية.

 فشرعت النخب الوطنية في الاصطفاف ضمن مشهد سياسي جديد سمته الغالبة سعي المجلس العسكري الحاكم برئاسة المرحوم، اعل ولد محمد فال، إلى تفكيك الحزب الجمهوري للديمقراطية والتجديد، الوريث الشرعي للحزب الحاكم سابقا، عبر إفراغه من معظم ناخبيه الكبار من أطر وأعيان. وميلاد حركة سياسية جديدة، تمثلت في تيار المستقلين الذي تشكل من رحم الحزب الجمهوري، ونزوح أعداد كبيرة من الأطر وكبار الناخبين باتجاه أحزاب المعارضة، وبالذات تكتل القوى الديمقراطية واتحاد قوى التقدم. 

في هذا السياق المتسم بالاضطراب وعدم اليقين، بدأت بعض المجموعات السياسية في دوائرها الخاصة تبحث عن أفضل السيناريوهات لعبور البلد بصفة آمنة إلى نظام مدني مستقر.

وكان تفكير الجميع، إذ ذاك، منصبا نحو منصب رئيس الجمهورية، لما له من أهمية في نظام رئاسي، ينتظر منه أن يواجه تركة ثقيلة من المظالم الإنسانية والتغابن الاقتصادي والاجتماعي وإقصاء المعارضين، ويراد له أن يتأسس على أنقاض أنظمة عسكرية أو شبه عسكرية. 

وكانت إحدى هذه المجموعات التي أعتبر نفسي شريكا لها في العمل السياسي سباقة في هذا الموضوع، إذ أبلغني أحدهم وقد تعودت الاسترشاد بآرائه، أن سيدي ولد الشيخ عبد الله، يبدو - من بين عديدين - أكثر أهلية في المرحلة الراهنة لتولي قيادة البلاد. 

وطفق صديقي يعدد خصال الرجل وصفاته المميزة. فهو اقتصادي تراكمت لديه خبرة وطنية ودولية مشهودة؛ وهو أحد التكنوقراطيين الموقعين في بداية سبعينات القرن الماضي لرسالة تطالب الأب المؤسس، الرئيس المختار ولد داداه بالقيام ببعض الإصلاحات السياسية والاقتصادية المتناغمة ـ آنذاك ـ مع مطالب الشباب اليساري؛ وهو مثقف رزين تكون سياسيا في كنف المدرسة الداداهية المعروفة بغيرتها على الوحدة الوطنية؛ وهو منحدر من ولاية تتوسط البلاد وتزخر بتنوعها الثقافي والعرقي؛ وهو مستقل عن أطراف المشهد السياسي بنظامه السابق ومعارضيه، مما يمنحه ميزة تفضيلية تمكنه من معالجة بعض القضايا الشائكة، مثل الرق والنازحين والإرث الإنساني، بعيدا عن السجالات السياسية والخصومات العرقية والطائفية التي لم يكن طرفا فيها.

وأبلغني نفس الصديق أنه التقى صحبة زميل له بسيدي ولد الشيخ عبد الله في منزله، وبدا لهما أنه مهتم بموضوع الرئاسيات. وبعد ذلك علمت أن حسم موضوع ترشحه للانتخابات يتوقف على إجراء اتصالات مع بعض الأطراف والشخصيات.

وقد تبين فيما بعد أن نتائج تلك الاتصالات شجعته على إعلان ترشحه من مسقط رأسه "لمدن" لرئاسة الجمهورية في انتخابات 2007. 

خلال هذه المرحلة وفي سياق مسعى مشترك مع أصدقائي لتهيئة "ديناميكية الترشح"، طلبت من زميل لي من أسرة أهل الشيخ عبد الله، أن يرتب لي موعدا مع المرشح سيدي، فاستجاب مشكورا، وتتالت بعد ذلك لقاءاتي معه، تارة منفردا ومرات بمعية آخرين، من منتخبين وأعيان وأطر، تولى بعضهم - لاحقا - أدوارا سياسية في حملة المرشح و مناصب سامية في الحكومة و الإدارة.

وطوال الفترة التي حظيت فيها بالقرب من سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، مترشحا رئاسيا أو رئيسا فعليا أو محاربا متأبطا سيف الشرعية ومنتصرا بقوة القانون، كنت أشعر كلما التقيته، بأنني أكتشف جانبا جديدا من شخصية الرجل لم أعرفه بالبديهة من قبل.

وفي جميع اللقاءات التي تكاثفت مع إقامتي معه في لمدن، أثناء الأزمة الدستورية وما رافقها من صعود وهبوط في المواقف، وما انكشف فيها من وفاء وغدر، وما ظهر إبانها من قوة وضعف، ومن حزم وليونة؛ لاحظت إصرار هذا الرجل على العزوف عن النيل من أعراض الناس وحرصه على خلو مجلسه من الغيبة واستهجانه للتحامل على الآخرين بمن فيهم خصومه.

كما لاحظت قدرته على الإصغاء لمحدثه دون مقاطعة أو تململ، وهدوءه وتماسكه أمام المحن والعثرات التي يصعب إخفاؤها على كثيرين.

أما صدقه فيبدوا واضحا من تجنبه الإسراف في الالتزامات والوعود الانتخابية، وفي حرصه على قول الحقيقة وإن كانت مجانفتها مغرية في بعض الأوقات.

أتذكر أنه نظم لقاءات مع المنتخبين والأعيان من مختلف ولايات الوطن في فندق ساميراميس، قبيل انطلاق الحملة الانتخابية ولم يرق لبعض الوجهاء خلو حديثه من الوعود والالتزامات ذات الطابع الخصوصي، فأبلغه أحد مستشاريه بذلك، طالبا منه مراعاة الأمر في اللقاءات اللاحقة، ولكنه كان صارما في رده بأنه لن يلتزم بأمور شخصية مخافة تعارض الوفاء بها مع الوفاء باحترام مبادئ العدل.

كما أتذكر أنه استقبل ممثلين لجماعة الإصلاحيين الفاعلة في الساحة السياسية واشترطوا عليه تعهدا مكتوبا بضمان الترخيص لهم بإنشاء حزب سياسي حالما يصبح رئيسا للبلاد. لكنه رفض هذا الشرط، رغم حاجته إلى أصواتهم ونيته الصادقة في تشريع حزب سياسي يمارسون من خلاله حقهم الذي لا مراء فيه.

وأتذكر أنه لم يدرج قطع العلاقات مع إسرائيل في برنامجه الانتخابي رغم نيته عرض موضوع هذه العلاقات على البرلمان لاستصدار توصية بهذا الشأن.

وأتذكر أنني شخصيا لم أصدق في البداية قصة غفوته بعد مطالعته كتابا، في مكتب قائد كتيبة الحرس الرئاسي، الجنرال حينها، محمد ولد عبد العزيز، قبل سماعها من سيدي مباشرة والاستماع لها منه ثانيا في برنامج تلفزيوني، أعده الصحافي القدير في قناة الجزيرة، محمذن باب ولد اشفاغ. ولما أيقنت بصحة الخبر تذكرت قصة القائد الفارسي الهرمزان مع الخليفة العادل عمر ابن الخطاب رضي الله عنه عند ما وجده نائما في المسجد دون حراسة، فقال قولته المشهورة "حكمت ياعمر فعدلت فأمنت فنمت"

وصدق المثل الحساني القائل "الل ما يصرك ما تخلع الكصاصه"  ومعناه أن من لم يسرق لا يخاف تعقب الخطى.

لقد لاحظت احترام الرئيس سيدي للآخرين في أكثر من مناسبة حتى لو كانوا في موقع الخصم؛ إذ أتذكر ذات مرة أنه مع بداية الحديث عن بوادر الخلاف ، بين الزعيم أحمد ولداداه ورئيس المجلس العسكري آنذك، الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، بعد شهرين من الانقلاب، تساءل أحد الحضور كيف ستكون مواقف بعض الشخصيات الوطنية الداعمة للزعيم أحمد ولد داد؟

 وكان الوزير السابق  محمد عبد الرحمن ولد امين من بين المذكورين، علما بأنه والد المحامي والمثقف اللامع، محمد ولد امين، الوزير يومئذ في الحكومة؛ فما كان من الرئيس سيدي إلا أن قاطع المتحدث بنبرة خاصة على غير عادته قائلا " لا تخطئوا في حق محمد عبد الرحمن، فله من الشجاعة والشهامة ما يستحيل معه أن يتخلى عن أحمد ولد داداه في وضع كهذا! 

وواصل شهادته حول الرجل مستحضرا قصتين:

 إحداهما تتعلق بترقية الرئيس المختار ولد داداه رحمه الله لمحمد عبد الرحمن وهو شاب يافع في مقتبل تجربته المهنية، من حاكم في افديرك، على ما أظن، إلى سفير في دولة الكويت. وقد استغرب بعض الوزراء حينها هذا الإجراء!

إلا أن مفاجأتي يقول الرئيس سيدي كانت كبيرة عند ما اكتشفت أثناء تعاملي مع مختلف ملفات التعاون بصفتي وزيرا للاقتصاد أن جميع الملفات الواردة من سفارتنا في الكويت كانت تتميز عن غيرها بالضبط والتنظيم والإتقان.

أما القصة الثانية، يقول الرئيس سيدي فكانت أثناء...

يتبع ان شاء الله....

بقلم/ كابر ولد حمودي

  

        

بحث