الطريقة الغزوانية للوصول إلى السلطة(ج17)

خميس, 19/11/2020 - 22:33

 – آلمودة

هنالك سر غامض فى الحرف الفرنسي، لم نجد له تفسيرا.

العربية فى موريتانيا أمرها عجيب وغريب. لغة رسمية ليست لغة الإدارة، ولا لغة السلطة، ولا أثر لها فى المطاعم، ولا فى البنك المركزي، ولا شركات الاتصال، ولا فى المؤتمرات الكبيرة. أظنهم يريدونها لأخراهم، ولا يتذكرونها إلا فى المسجد وقت دعاء القنوت.

يتهمون المكونة الإفريقية السوداء بالوقوف فى وجه اللغة العربية، “يخلطون البريء منهم بذي الذنب”، وهم الذين صمدوا وحدهم سنين طويلة فى وجه الاستلاب الغربي؛ كان أطفالهم “ألمودات”، يسكنون الكتاتيب، يقتاتون على الصدقات، يحملون ألواحهم فى الشوارع. فى حين، يبيت أبناء البيظان والحراطين فى دور السينما، وفى المركز الثقافي الفرنسي، يشاهدون أفلام الهند، والكوبوي، والمافيا. يتعلمون السرقة، والقتل، يدخنون المالبورو والمخدرات، وهم فى سن التربية.

بناتهم يلعبن فى ساحة المدرسة لعبة الحبل، ويغنين بأصوات بريئة :

Combien d’enfants aura tu .. avant de te marier ? .. un, deux, trois, quatre …

عبارة ذات دلالة سلبية خفيفة باللغة الفرنسية، فى سياق اللعب والفن، لكنها إذا ترجمت إلى اللغة العربية، تكون شيئا آخر.

عندما وجد أحد كبار رجال الأعمال فى السنغال ابنه مع “آلمودات” عند أحد ملتقيات الطرق، ينتظرون الضوء الأحمر، يطلبون الصدقة، ثيابهم رثة، وكان قد أسكنه مع شقيقته الغالية التي يصرف عليها بسخاء.

استشاط غضبا وصفع الطفل، وذهب به مسرعا إلى أخته، قال لها: “كيف تصنعين هذا بابني دون علمي، وأنا لدي من المال والجاه ما يمكن أن أشتري له به نصف داكار ؟

قالت “أنت كلفتني بتربيته، ولا أريده أن يكون فرعون أو قارون مثلك أنت، بل أريده أن يتعلم القرءان، ويتعلم القيم الفاضلة، ويعيش مع أبناء الفقراء والأغنياء فى نفس الظروف، حتى يدرك – وهو صغير – معنى الجوع والعطش، ويحس بالبرد، والحرارة، ويعضه البعوض، من أجل تلك القيم. هؤلاء هم آلمودات الذين أرسلت معهم ابن أخي.

اقتنع بقولها، وترك لها الطفل.

نعم، “العقل السليم فى الجسم السليم”، قاعدة سليمة، لكنها ليست على إطلاقها؛ فأكبر عالم فى الفيزياء والفلك ستيفن هوكينج، يعاني من إعاقة.  قال له الأطباء وهو فى العشرين، إنه لن يعيش أكثر من سنتين، لكنه تزوج، وأنجب ثلاثة أطفال، وعاش 65 سنة حافلة بالإنجازات العلمية، وهو الذي توقع أن أكبر تهديد للبشرية سيكون فيروسا مثل كورونا يتم تعديله جينيا فى مخبر.

 ولدينا بالمقابل، سجون مكتظة بأصحاب الأجسام التي ظاهرها سليم.

هؤلاء الآلمودات عندما كبروا أسسوا مدارس عصرية لتدريس علوم اللغة العربية، وأنساب العرب، والسيرة النبوية، والفقه، لأبناء البيظان، فى مدارس ابن عامر، ومدارس الفلاح…

“آلمودة” مفخرة، والناس ينظرون إليه بازدراء؛ تماما مثلما ينظرون إلى معلم العربية فى المدارس، بُعيد الاستعمار.

“معلم العربية” عندنا هو “آلمودة البيظان”.

37 – الطريق

عن/ ريم يفيد
يتبع أن شاء الله......
اضغط هنا لمتابعة الحلقة الماضية

       

بحث