قصة الحرطاني الذي لم يقبل أنه حر وفضَّل العيش مع سيده

سبت, 19/09/2020 - 12:04

ھذا حدث سنة 1949 ُ في الدائرة التي كنت مسؤولاً عنها ,جاءنا قاض حديث السن ,ما زال متدربا ومليئا بنار الثورة ,مفعما بنية تحرير افریقیا من كل كوارثھا , وطلب مني أن أترجم له حدیثاً دار بینه وبین رجل ٍ مسن بیظاني جاء برفقة رجل كبیر القامة أسود اللون.

دخلنا إلى المكتب حیث شرح لنا الرجل ُ المسن أن ّ الرجل الأسود كان عبداً له. وانّه جاء لیصحبه إلى قریته لأن موسم الأمطار قد حل وعلیه أن یعود الى مكان عملھ لیبدأ الحصاد. وبما أن سبب وجود العبد ھو مطالبة المحكمة بھ للإدلاء بشھادته، فإن البیظاني یعرض نفسه لیحل محل العبد ویشھد لھم في تلك القضیة ,وعلى كل حال فإن شھادته خیر لھم لأن شھادة العبد لا قیمة لھا.

وكنت طوال ترجمتي ألاحظ تقاسیم وجه القاضي التي كانت تحمر  وتحمر  موشكة على الانفجار فكان سیتھم الرجل بعدة تھم ّ أولھا اعترافه بممارسة العبودیة، الثانیة محاولة شھادة الزور والثالثة استخدام ید عاملة دون دفع اجر لھا!

البِیظاني ذھب بنفسه ودون درایة ّ منه الى عالم السجون حیث سیقضي باقي عمره بسبب تھم كھذه، ثم بعد انتھائه من مخاطبة الرجل المسن، التفت القاضي الى الرجل الأسود الذي لم یتحرك ولم ینطق بكلمة طوال الخطاب وقال له : "اذھب الآن فأنت حر وبإمكانك أن تفعل ما تشاء ولن یرغمك أي كان على فعل ما لا ترید، اذھب الى حیث أردت."

كان جواب ُ الرجل الأسود للقاضي : "أنت تقول ُ أني لست عبداً لھذا الرجل؟ مَن أنا اذاً؟ أنا إذاً لا شيء !

إعلم أن أبي كان عبداً لأبيه وجدي عبدا لجده واخته رَضعت لبن أمي وأنت  تقول ُ أنني لست ملكاً له؟ ثم نظر الى المسن البيظاني وقال له برفق : هيا لنذھب من ھنا!"

وذھبا تاركین القاضي الماركسي الذي لم یبق له سوى الضحك بعد أن فھم أنه دخل عالماً أسیاده وعبیده لا یَنتمون إلى عالمه ولا إلى زمنه.

 

المصدر: Gabriel Féral, Ma demeure fut l'horizon, 1995

 

عن/ موقع أقلام بعنوان :

القاضي الماركسي وحرطاني كيفة!

       

بحث