نبذة عن شخصية القطب الرباني الشيخ محمد فاضل بن اجيه المختار

جمعة, 18/09/2020 - 12:38

الشيخ محمد فاضل ولد محمد لعبيدي

هو الشيخ محمد فاضل بن محمد بن محمد عبد الرحمن (عْبيدي) بن السيد بن الفاضل بن محمد المختار المعروف باللقبين :الطالب مختار عند العرب و اجيه المختار عند مريديه من العجم ، وأمه الطاهرة بنت المصطف بن أحمد بن سيد أحمد القيلالي من تجكانت (أولاد الحاج).

ولد في الحوض الشرقي في المنطقة الواقعة بين النعمة و تنبدغة حيث ديار عشيرته ، في حدود 1229 هجرية ، وتلقى أول دروسه المبكرة في مدارسها الجليلة وكان للعلامة سيد المصطف بن فال بن اخيار بن احمد بن اجيه المختار النصيب الاوفر من الاشراف على تعليمه، وقد كان خارقا للعادة في حفظه و فهمه لدرجة استيعابه جميع ما كان يدرس في زريبة التلاميذ التي حدثت فيها الحادثة الفارقة الفاصلة في حياته .

فذات يوم من أيام رحيل الحلة ، تخلف العارف القطب الشيخ محمد فاضل بن مامين، وراء الظعائن التي أبكرت، في انتظار صلاة الضحى، على عادته…فلما فرغ من عبادته امتطى جواده ليلحق بالرحال، وكان التلميذ محمد فاضل المتميز بحبه العزلة قد بقي فريداً في زريبة التلاميذ يراجع بعض دروسه،فلاحظ أن ابن عمه الغوث الشيخ محمد فاضل قد اتجه في غير وجهة الراحلين ،فلحق به يؤشر، فتوقف القطب الرباني للتلميذ الذي بدأ يُحدد له اتجاههم … فما كان من الشيخ الوقور إلا أن قال له: أنت ابننا محمد فاضل ؟ فقال نعم، فقال الشيخ : أي بني ..وأنت أيضا عليك أن تتجه إلى الشمال ...

وكان هذا الامر في إشارات أهل الحقيقة، تصديرا وتكليفا من قطب الوقت شيخنا الشيخ محمد فاضل بن مامين لابن عمه و سميه الشيخ محمد فاضل بن محمد بن عبيدي بالسفر نحو الشمال وتحديدا آدرار ، وكان عمره حينها 12 سنة فقط .

ويقال إنه عرج وهو راحل على ولاتة، ومكث بتيشيت سنتين وقيل أربعاً ثم جاوزها إلى شنقيط التي دخلها وهو في السادسة بعد العشر وكان يتوق إلى من يأخذ عنه مصطلح الحديث فما وجد ضالته إلا عند العلامة الطالب أحمد بن طوير الجنة الحاجي الذي درس عليه بعض التصانيف في علم مصطلح الحديث منها طلعة الأنوار للعلامة الشيخ سيدي عبد الله بن الحاج ابراهيم العلوي، ثم تداعى الناس من كل حدب وصوب عليه في جبل الريشات بحفرة ودان حيث بنى دارَهُ “سْعاده” وبدأ التعمير و التأبير والتعليم والتدبير وتربية القلوب ، و فيها غرس بستانه الشهير “ألحصن”بحافة “وران" .

بعد استقراره في بيئته الجديدة واكتمال بنية الإعمار من دور و بساتين و واحات، وسطوع نجمه في المنطقة وتقاطر الناس للنهل من فيضه العلمي الزاخر وعطائه المتكاثر، همَّ بقضاء لُبانته الأولى وهي حج البيت وزيارة خير البرية ، فكانت رحلة ميمونة أفاض الله عليه فيها من الكرامات ما يضيق المجال عن حصره.

وفي طريق العودة ،نزل بالمغرب في عهد المولى عبد الرحمن سلطان المغرب حينها، فأكرمه أيما إكرام وأنزله بالقصر المولوي و كان يقول له لقد قسمت و قتي مناصفة يوم لك و يوم للرعية ، و استبقاه معه سنة كاملة ثم ودعه بمزيد الاجلال و العطايا الجزيلة .

وكانت هدية المولى السَّنِيَّةُ مكتبة كاملة الأركان ذاع صيتها إلى يومنا هذا، باكورة الحوزة العلمية فشيدت لها الخزائن في مكانها الذي أصبح يسمى “الزيارة”(18كلم شرق حاضرة الجريف) لكثرة من زاره فيها من الوفود طلبا للعلميْن والتماساً للنفعيْن، فكان بهما جديراً..

وقد ظلت هذه المكتبة التي نافت مقتنياتها على 4000 مخطوط ،منارة هداية ومنهل ورد إلى أن أحرقتها كتيبة من حركة البوليساريو في هجوم ظالم على مزار مسالم، ورمز قائم سنة1977 ، وما زال بعض مقتنياتها لد ى حضرته العامرة بأحفاده البررة ومريديه الأوفياء.

ولقد لزم الشيخ الجليل هذه المنطقة التي ستحمل اسمه فيما بعدُ: باطن الشيخ محمد فاضل بن محمد بن عبيدي، بعدما طلب الإذن في الإقامة بها من أمير آدرار، وقتَها،أحمد بن عيدَّه الكبير ثم اشتراها من الإمارة في عهد أحمد ولد مْحمد، وتقع ما بين أمكجار و وزميلة تفل شرق الغلاوية، حسب الرواية المعتمدة.

ومن كراماته أن واحة الزيارة التي كانت من الخصوبة بحيث حوت 400سانية(شيلال)تروي الحدائق الغناء والبساتين الفيحاء، لمَّا نزل بها الفرنسيون وأرادوا اتخاذها قاعدة لأدرار ، جفَّتْ عيونها واحدة بعد الأخرى حتى ارتحلوا عنها .

بلغ الشيخ محمد فاضل في علمي الشريعة و الحقيقة مرتبة لا تُضاهى و بهاء لا يباهى ، حتى أصبح ، محكمة الشمال العليا و مفتي الديار و خازن الأسرار، وقذف الله محبته في القلوب وشرح لعلمه الصدور ، وأقر له البعيد و القريب بالسبق العجيب، وقد زاره مرتين شيخ المشائخ وإمام المجاهدين ومجدد الملة والدين الشيخ ماء العينين بن الشيخ محمد فاضل بن مامين واستجاب لإشارته بأن يعود إلى بلاد الساحل،يقول الجهبذ الشيخ ماء العينين بن العتيق في ذلك عنه:” كان مشهورا بالولاية والصلاح وكان كشفه مجربا صحيحاً عند العام والخاص وكان أسنَّ من الشيخ ماء العينين بكثير فلذلك عمل بإشارته”.

وكان ابن عمه أخو الأول ،الغوث الصوفي الذائع الصيت الشيخ سعد أبيه بن الشيخ محمد فاضل بن مامين كثير التردد عليه لصلة رحمه و زيارته وكان يصطحب معه فتاوى و بحوث أهل القبلة، حيث يقيم، ويتذاكر معه فيها. وكان يقول تأكدوا من صحة السند إلى الشيخ محمد فاضل بن محمد بن عبيدي أو محمذٍ فال بن متالي واعملوا بما قالا و لا تُبالوا. ولم تشغله مهام التعمير والتدبير والإفتاء و تربية القلوب والسعي في الإصلاح الدؤوب، عن التأليف والتصنيف إذ ترك ما يربو على عشرين مصنفا في مختلف العلوم .

وقد أقرَّ رسوخ قدمه في العلم ،علاوة على من سبق ، أجلاءُ معاصريه أمثال أحمد بن عبد الحي ومحمد المختار بن صهيب اليعقوبي في كتابه” البيان”. إلى غيرهم، مما لا يحتاج بيانا.

وقد أقام معه الكثير من القبائل نذكر منهم عشائر التهالات(الرقيبات) والسماليل وتتلمذ عليه الكثير من قبائل الشوكة لدرجة استعمال وَسْمِه(النقلي) على ثرواتهم الحيوانية، كما احتمى به الكثيرون من ظلم الظلمة و النهابة فكان مرهوب الجانب مرغوب الرضى رضي الله عنه.

وكان وثيق الصلة بالأمراء أحمد ولد عيده الكبير ومْحمد وأحمد ولد مْحمد، كما أرسل له بكار و لد سويد أحمد مبايعًا.

أما صلاته بأهل العلم فنذكر منها، مثالا لا حصراً، علاقته بشيخه الطالب احمد بن طوير الجنة الحاجي واحمد بن البشير القلاوي.

ومن تلامذته أبناؤه: الشيخ محمد تقي الله، والشيخ سعد بوه، والشيخ محمد المامون ، ومحمد عبد الرحمن (ابياه) بن محمد المصطفى، وابن عطاء الله الجكني، ومحمد أحمد بن الشيخ الإجيجبي، ومحمد البخاري بن النونو، ومحمد المختار بن صهيب اليعقوبيان . وقد نقل محمد المختار بن صهيب اليعقوبي عن الشيخ محمد فاضل بن اعبيدي الكثير من الفتاوى في كتابه : "جميل البيان وبديع الزمان على قلائد الجمان".

وللشيخ محمد فاضل مؤلفات منها : "مناهل الأوراد لمبتغي الصدور بالمراد" وهو نظم حول الربا في الملح، ونظم حول كلام الموتى وأدلة ذلك، ورسالة حول النكاح، وتأليف حول رحلته إلى فاس، ووصف علماء فاس، وفتاوى حول الولاية في النكاح، وديوان شعر.

توفي الشيخ محمد فاضل بن اعبيدي رحمه الله عام: 1321هـ - موافق 1903م ، ودفن ب"اجريف" التي تبعد حولي 76 كلم من مدينة اطار عاصمة ولاية آدرار .

 

 

                                             

عن المدون/ حفظ الرحمن

       

بحث