ولد إشدو : محاولة انقلاب فاشلة جديدة!!

ثلاثاء, 21/07/2020 - 11:04

مدخل : في نظریة "الانقلاب الدائم على الشعب"!

 في الفصول الأخیرة من كتاب "أزمة الحكم في موریتانیا" أصَّلت ُ وفصلت ظاھرة "الانقلاب الدائم على الشعب" التي جسدھا انقلاب العاشر من یولیو بمختلف حلقاتھ المتسلسلة طیلة ثلاثین سنة أتت على الأخضر والیابس، وأھلكت الحرث والنسل! وما زال شھودھا وشھداؤھا وآثارھا بارزة للعیان نارا على علم. (ص 204 (ولا مكابرة في محسوس!. ... ومع انبلاج حركة 3 أغسطس الوطنیة المجیدة التي حررت الجیش والشعب من قبضة القوى الرجعیة المفسدة، ووضعت حدا لتحكم السفارات الأجنبیة في القرار السیادي، وفتحت أبواب السجون التي كانت ملیئة بالأحرار والأئمة والعلماء، وأطلقت الحریات العامة، ورأبت صدع الوحدة الوطنیة المھیضة، وفتحت آفاق الحریة والدیمقراطیة والإصلاح، وطردت إسرائیل صاغرة ذلیلة وجرفت وكرھا القذر نھارا جھارا ..إلخ. ساورنا أمل قوي في الخلاص من تلك الظاھرة التي ظننا یومھا أن حقبتھا ولت إلى غیر رجعة، وأنھا صارت جزءا من الماضي السحیق.. ولكن ھیھات! إذ سرعان ما عاد یومئذ سدنة النظام المطاح برأسھ إلى الساحة السیاسیة "من أبواب متفرقة" مستغلین مراكز نفوذھم الواسع، وھیمنتھم على جھاز الدولة، وقلة حزم السلطة الجدیدة وتمالؤ بعض رموزھا معھم ومحاباتھم لھم، وفساد الإدارة، وعمى المعارضة، وھشاشة المجتمع، وفساد الحالة المدنیة، فوظفوا المال الحرام في شراء الذمم، واستحوذوا على البرلمان، واستباحوا رئاسة الجمھوریة، وأجھضوا عملیة التغییر برمتھا.. فأمنوا بطاقة عودتھم إلى سدة الحكم وسیطرتھم على الاقتصاد الذي ھو بیت القصید! ولما لم تستسلم نواة حركة التغییر والإصلاح أمام العاصفة، ووقفت لھم بالمرصاد؛ سولت لھم أنفسھم أمر الاستحواذ على الرئیس الجدید وعزلھ عن أغلبیتھ والانقلاب بھ على الشعب الطامح إلى التغییر، وعلى شرعیة وبرنامج وقادة حركة 3 أغسطس، وعلى الجیش الوطني العظیم الذي ھو صمام أمن واستقلال ووحدة وتقدم الوطن. فكان لھم ما أرادوا؛ فدبروا بھ انقلابھم الفاشل فجر 6 أغسطس 08 الذي كاد أن یوقع البلاد في داھیة لا تبقي ولا تذر لولا أن قیض الله لھا أبناء بررة ردوا كید المنقلبین في نحورھم وجعلوه ھباء منثورا! ما أشبھ اللیلة بالبارحة!  

طویت صفحة انقلاب لیل 6 أغسطس 08 الرجعي الفاشل..فشمر الوطن عن عقول وسواعد أبنائھ الحرة، وبدأت إعادة تأسیس الدولة الموریتانیة: فتحققت المصالحة والوحدة الوطنیة، وجرمت العبودیة، وبني جیش وطني جمھوري قوي، وھزم الإرھاب، وحورب الفساد، وأرسیت الدیمقراطیة، وشیدت البنى التحتیة، وقضي على أحیاء الصفیح البائسة ..إلخ. كل ذلك وغیره حقق في عشریة وطنیة عظیمة كرست من بین ما أنجزت : أن الشعب ھو مصدر السلطة وھي تكتسب وتمارس وتنقل في إطار التداول  السلمي وفقا لأحكام الدستور؛ وحدت مأموریة رئیس الجمھوریة بخمس سنوات قابلة للتجدید مرة واحدة؛ وأعلنت الاعتراف بالتنوع الثقافي للشعب الموریتاني أساسا لوحدتھ الوطنیة ولحمتھ الاجتماعیة. وكان ختامھا مسكا؛ إذ أعلن الرئیس المنتھیة ولایتھ وقوفھ ضد التیار واحترامھ المطلق للدستور وعدم ترشحھ لمأموریة أخرى، وترشیحھ لأخیھ وصدیقھ وشریكھ في النضال وفي العمل الوطني الرئیس محمد ولد الشیخ الغزواني.

لم تألُ قوى "الانقلاب الدائم على الشعب" التي تتوزع بین المعارضة والموالاة جھدا في مقاومة ھذا المسار السوي والخیار الصحیح، وبذلت قصارى ما لدیھا في الإطاحة بھ وإفشالھ. لكن الشعب صوت لصالحھ بأغلبیة مریحة أوصدت الباب في وجھ جمیع منافسیھ، وكان حكمھ صریحا وجلیا وواضحا عبر صنادیق الاقتراع في عملیة شفافة ونزیھة حظیت باعتراف وتنویھ الوطن والعالم أجمع.   

وما إن استلم فخامة الرئیس المنتخب محمد ولد الشیخ الغزوانی مقالید الحكم من أخیھ الرئیس محمد ولد عبد العزیز في حفل مھیب، وبدأ تصریف شؤون البلاد، وفقا لمبادئ حركتي 3 و6 أغسطس؛ وھو من قادتھما، وتوجیھات حزب الاتحاد من أجل الجمھوریة الذي رشحھ وسانده، والخیارات الوطنیة التي امتاح منھا تعھداتھ وبرنامجھ الانتخابي، وأعلن - عن حسن نیة- انفتاحھ الطبیعي على الشعب الموریتاني كلھ؛ سواء في ذلك من صوتوا لھ ومن عارضوه، وفتح باب القصر الرئاسي أمام كثیرین، حتى ھبت قوى "الانقلاب الدائم على الشعب" التي وقفت ضد التغییر خلال المرحلة الانتقالیة، واستحوذت على الرئیس الأسبق وانقلبت بھ على أغلبیتھ وعلى الشعب انقلابا فاشلا لیل 6 أغسطس 08 ،والتي وقفت بكل ما لدیھا من قوة وإمكانیات ضده ھو في الانتخابات الأخیرة، واصطفت خلف منافسیھ وأعدائھ، فھرولت تراوده وتتلون لھ في مشھد انقلابي بدیع؛ محاولة الاستحواذ علیھ لتلعب بھ أو معھ نفس اللعبة الانقلابیة الفاشلة التي لعبت مع بعض أسلافھ الغافلین! ما ھكذا یا قوم تورد الإبل!

سنة من العھد الجدید المبارك (20 (%انصرمت. وكانت سنة شھباء بامتیاز بسبب ما أفسده وباء كورونا من جھد ووقت ومال، وما انتشر خلال تلك السنة أیضا من إفك وھتك للأعراض وإفساد لذات البین، كي تنصرف الدولة والمجتمع إلى جدال بیزنطي، وفتنة عقیمة، ویغوصا في وحل الماضي، فینشغلا بھ عن إصلاح الحاضر وصنع المستقبل! ولعل كورونا كان بنا أرحم من الإفك!

أین صیانة الإرث الوطني والمنجزات الجبارة التي حققتھا موریتانیا بعَرقِھا ودمائھا ودموعھا؟ وأین التعھدات والعھود والوعود بالعمل على صیانة المكاسب وإعلاء صرح الوطن بأمانة وإخلاص؟ وأین خطط مواجھة وباء كورونا، وما بعد كورونا؟ كیف نترك حاضرنا ومستقبلنا سدى، وننصرف إلى ما ھو "أعظم" : دق إسفین بین رئیس الجمھوریة وأغلبیتھ الوازنة ورفیق دربھ وصدیقھ الحمیم، ونعوضھ إیاھم بأعداء، كما عوضت العملة الصعبة المغلولة في البنك المركزي بعملة مزورة لا تسمن ولا تغني من جوع؟

بقلم الاستاذ / محمدن ولد إشدو

 

 یتواصل....

       

بحث