العلامة الشيخ الددو في حديث شيِّقٍ عن نشأته وبداية حياته

أربعاء, 15/07/2020 - 15:52

حينما سألناه عن مجموع ما درسه في "المَحْظَرَة" (= مؤسسة التعليم الأهلي العربي الإسلامي ببلاد شنقيط/ موريتانيا)؛ أجابنا بأنه درَس 48 علما من السلالات المعرفية تمثل البناء الأصيل والرصين للثقافة العربية الإسلامية. كانت قاعدة هذا التحصيل هي مَلَكَة الحفظ القوي والمتفاعل مع أدوات التأويل والاستنباط؛ وبالتالي لم يكن فيها الحفظ وحده هو الغاية، بل الهدف الأسمى هو العملية التفاعلية بين الاستيعاب والنص والتي تدور في عقل ووجدان الطالب "المَحْظَري".

ويمثل الشيخ العلامة محمد الحسن الدَّدَوْ الشنقيطي -رئيس مركز تكوين العلماء بموريتانيا- نموذجا قياسيا لهذا النمط من التعليم العربي الحضاري الذي استمدته بلاد شنقيط من روافد عديدة أبرزها رافد الإرث المعرفي للأندلس، التي تزامن سقوط حواضرها الكبرى مع بدايات تشكل هذا النمط الشنقيطي؛ فالمتأمل لحديث الشيخ الدَّدَوْ يتسرب إليه بسهولة شعور الاختلاف في التكوين الذي ناله عن نظيره لدى معاصريه من العلماء في أقطار أخرى، حيث تتهادى إليه النصوص الشرعية والأدبية والتاريخية منسابةً بين يديْه بكل سلاسةوضبط وتدفق.

إن حوارنا مع الشيخ الدَّدَو ليس عن ماهية علمه واستيعابه فقط، بل عن الآلية والكيفية التي تأهَّل بها حتى تحقَّق له هذا النموذج المعرفي الموسوعي، حوارنا كان عن مفاتيح التعلم الحضاري "المحظري"، وقصدنا بصفة "الحضاري" هنا تلك الصيغة التاريخية لعملية المعرفة التي سادت عند مفكري وعلماء الإسلام طوال القرون، حيث تمثل المعرفة كُلًّا واحدا، متداخل التأثير، مستقل التخصص، يشد بعضه بعضا، ولا يغيب عن عقل وذهن صاحبه!

حدَّثنا الشيخ عن طفولته حيث استوى على يد نسوة أهل بيته لسانا وشِعْرا وسيرة وتربية، بما يجعله مؤهَّلًا لِعالَم "المحظرة"؛ نعم هي حياة من المعرفة تتخللها معيشة، حيث يدخل الطالب بكلياته في بيئة معرفية يبدأ نشاطها قبل الفجر ولا تنتهي حتى ينقضي شطر وافر من الليل. في هذه البيئة "المحظرية"؛ تتراكم النصوص على النصوص دون أن تُزاحِم المعارفُ بعضُها بعضاً، وفيها تتوثق علاقة وجدانية خاصة تربط الطالب بثلاثية التحصيل: الشيخ والكتاب وزملاء التحصيل. تردَّد الشيخ كثيرا في الموافقة على الحديث عن نفسه وتجربته، ولكنه وافق بعد إلحاحنا نزولا عند ضرورة توثيق تجربته المهمة والملهمة في التعامل مع التراث دراسة وتدريسا.

النشأة الأولى
* نشكركم على ما خصصتم به صفحة "تراث" من وقت ثمين لإجراء أول مقابلة لها منذ انطلاقتها. وبداية؛ دائما ما يسأل القراء عن النشأة الأولى للعلماء والشخصيات البارزة.. فهلا حدثتمونا عن نشأتكم وكيف كان تعليمكم "المحظري"؟ وكيف ساهم في سيرتكم ومسيرتكم العلمية؟

  • بين يديْ هذا الحديث؛ أؤكد أن حياتي ليس مَرْضِيًا عنها وليست محلا للاقتداء، ولا تُذكر في هذا المجال لأنني ضعيف في التلقي وضعيف في العلم، ثم إن ابتداء حياتي هو ما أذكره منها فقط، فما سبق ذلك لا أعدّه من حياتي فيما يتعلق بالدراسة. وهنا أذكر يوما -وأنا في نهاية السنة الخامسة تقريبا من عُمُري- أن أحد الأقارب -وكان يكبرني بسنتين- كُتب له في "اللوح" (= لوح خشبي يكتب فيه الطلاب دروسهم) بداية حروف التهجي فأصابتني الغيرة منه وبكيت،
  • يتبع ان شاء الله.....

       

بحث