بيع مناجم أسنيم ... آخر مسار في نعش الاقتصاد الوطني

اثنين, 27/05/2019 - 09:17

يعيش الاقتصاد الوطني منذ سنوات حالة من الترهل والضعف انعكست بشكل سلبي على واقع الناس وعلى مستوى معيشتها، وقد ظهرت هذه الانعكاسات جلية في مؤشرات التنمية الخاصة بالبلد ، حيث تشير هذه المؤشرات إلى تراجع كبير في أداء الاقتصاد وانتشار البطالة وارتفاع جنوني للأسعار وتفاقم للمديونية ، سياسة التخبط التي أدار بها النظام هذه المرحلة فاقمت الأزمة وزادت من خطورتها مع تصريحات وتلميحات من مؤسسات التمويل الدولية بوقف القروض بعد أن وصل مستوى المديونية الخارجية للبلد الحاجز الأعلى المسموح به.

تشير تقارير البنك الدولية إلى أن المديونية الخارجية لموريتانيا وصلت حدود 89% من الدخل القومي، كما عبر الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي بشكل غير مباشر عن تحفظه على تأخر سداد القروض التي منحت للحكومة الموريتانية.

بالرغم من أن ادعاءات الحكومة بتدهور الاقتصاد كانت في غالبها ترتكز على تراجع أسعار خام الحديد في السوق. إلا أن قرارا قاسيا صدر بالأمس وهو بيع منجم أفديرك التابع لشركة اسنيم ، الخطوة التي تعتبر انتحارا للاقتصاد الوطني الذي يعتمد بشكل كبير على صادرات الحديد ، فحسب تصنيف الدول التي تنتج أكثر من 10 مليون طن من الحديد سنويا استطاعت موريتانيا أن تحتل المرتبة 16 عالميا متفوقة علئ كوريا وأسترالياوألمانيا (إحصائيات 2011).

في سنة 2013 أنتجت اسنيم ما يقارب 13 مليون طن من الحديد ذي النوعية الجيدة وهو ما يقارب 1.4 مليار دولار حسب ما نقل موقع Lexology المتخصص، وهو ما جعل موريتانيا تتربع في المرتبةالثانية لإنتاج الحديد في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا.

 

أسنيم العمود الفقري للاقتصاد الوطني

ليست شركة أسنيم شركة عادية إنها الركيزة الأساسية للاقتصاد الوطني في بلد لا تزال قطاعات الزراعة والصناعة فيه ضعيفة إلى أبعد الحدود. في التقريرالذي نشرته Financial Times  يقول محمد ولدخونا وزير المعادن السابق إن الدولة تمتلك احتياطا من الحديد ذي النوعية الجيدة يتراوح ما بين 2 مليارإلى 3 مليار طن وإن هذه الثروة الضخمة تحتاج إلى استثمارات  كبيرة في مجال البنية التحتية.

في نفس التقرير قال ولد أوداعه رئيس مجلس إدارة أسنيم السابق وصديق الجنرال محمد ولد عبد العزيز المقرب إن 70% من إنتاج اسنيم يصدر إلى الصين،وإن إجراءات توسعة الميناء والسكة جارية لتصل طاقة  استيعاب 80 مليون طن.

مشروع النهوض الذي تحدث عنه ولد أوداعه يهدف لرفع الإنتاج من 13 مليون طن إلى 40 مليون طن في حدود سنة 2020، مدخلات اسنيم حسب ولد أوداعه تشكل 47% من احتياطي العملات الصعبة لدى البنك المركزي، وتساهم الشركة في مشاريع اجتماعية وتنموية لصالح  السكان.

إذا ما دامت المعطيات على الأرض بهذا الشكل؟ ماالهدف من خصخصة شركة اسنيم؟ وبيع مناجمها بدراهم معدودة لرجال أعمال مقربين من النظام أوحتى لمستثمرين أجانب؟ إنه انتحار اقتصادي بكل المقاييس.

 

استثمارات في التوسعة أين النتيجة ؟

ظلت اسنيم و ما تزال محط أنظار المستثمرين الأجانب وشركات الصلب العالمية، وخلال السنوات الماضية قدمت عدة مؤسسات مالية، وشركاءاقتصاديين مساعدات مالية معتبرة لتنمية وتطويرقطاع المعادن خاصة مناجم الحديد.

في 16 سبتمبر 2009، أقر الصندوق الإفريقي للتنمية قرضا بقيمة 175 مليون دولار لدعم موريتانيا في توسعة  مشروع كلب الغين، ومن المتوقع أن تنتج التوسعة  الجديدة حوالي 4 مليون طن من الحديدسنويا تضاف  إلى 11 مليون طن سابقة.

في 19 مايو 2011، قدم البنك الدولي قرضا إضافيا مسجلا تحت الرقم التسلسلي P124859 لقطاع المعادن الموريتاني ويهدف القرض إلى مساعدة موريتانيا  في تطوير إنتاجها من المعادن مع العمل على المحافظة على البيئة.

خلال سنة 2011  اقترضت اسنيم ما مجموعه 710  مليون  دولار من مؤسسات القرض الدولية لزيادة إنتاجها  في مناجم (Guelb 2 Mine by 4 Mt/yr)، ( T4 and the T5 Mines by 2 Mt/yr.)، كما شملت هذه القروض  توسعة: منجم قلب الغين، لمهودات، وكديةاجل.

 

أين نتائج هذه الاستثمارات؟

 

مؤشرات تقرير BTI  الألماني  2016

 

تقرير BTI الألماني هو تقرير شامل عن التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسة لأكثر من 129 دولة في أنحاء العالم ، يصنف التقرير موريتانيا في قائمة الدول الأقل تطورا ، حيث سجل معدل التنمية فيها 0.487  محتلة بذالك المركز 161 في التصنيف العالمي (تقرير

BTI2016).

 

يعتبر التقرير أن 40.7% من السكان يعيشون في فقر مدقع ، و47.7% يعيشون بأقل من دولارين يوميا.  يرتكز الإقتصاد الموريتاني على مجموعة قطاعات تشمل: (البترول، المعادن، الصيد)، تشكل هذه القطاعات الثلاثة 75% من مدخلات الدولة وتوفر 3% فقط من العمالة.                                                         

 

تعتبر الزبونية إحدى أهم الوسائل للاستفادة من مشاريع الدولة لذالك يحظي الأفراد والجماعات ذات الصلة بموظفين الدولة الكبار على  الكثير من الإمتيازات على حساب بقية الشعب.                                                                                  

 

                         مؤشر التنافسي الدولية   2016 

 

تقرير التنافسية الدولي  تقرير سنوي يصدر عن المنتدي الاقتصادي العالم World Economic Forum (WEF)   وهي مؤسسة سويسرية غير ربحية مقرها في جينيف ، وتهدف المؤسسة من خلال هذا التقرير إلى تسليط الضوء على مختلف المؤشرات الإقتصادية للدول و دراسة مستوى الإنتاجية وذلك لخلق سياسات اقتصادية دولية وإقليمية لتطوير إقتصادات الدول.

رغم الثروات الهائلة التى تزخر بها أرض موريتانيا ورغم القروض السخية من مختلف الهيآت التمويلية الدولية فإن موريتانيا لا تزال تعيش في الحضيض سواء من حيث مستوى معيشة السكان أو التعليم أو الصحة أو البنية التحتية وقد ظهر هذا الفشل جليا من خلال مؤشرات التنافسية الدولية للعام 2016 ففي مجال جودة التعليم الأساسي : احتلت موريتانيا المرتبة 137 من أصل 140 دولة شملها التقرير بفارق 50 دولة عن الجارة السنغال التى احتلت المرتبة 87.

الصحة والتعليم العالي والبنية التحتية و الرشوة وكفاءة العمل الإداري كانت موريتانيا في أواخر الترتيب وبالضبط في الدول الخمس الأخيرة من اللائحة.

 

إلى متى يظل غياب الوعي الوطني؟

مما فاقم أزمة الفساد وإنتشاره وتجذره بشكل واسع في قطاع المعادن  غياب الوعي الوطني لدى غالبية الشعب بما في ذالك الطبقة المتعلمة ، والأحزاب السياسية ، والمنظمات المدنية ، والمثقفون والإعلاميون الكل غائب أو مغيب عن أحد أهم المشاكل التى تسبب في فقر البلد وتخلفه .

 

فالكثيرون من هؤلاء لا يعلمون شيئا عن الثروة الموجودة في باطن الأرض والتى يتهافت عليها العالم في سبات عميق منا، لا يعلمون  شيئا عن الصفقات التى تتم وعن الشركات التى تعمل ولا عن حجم الأموال التى تدخل الخزينة.

 

يشمل غياب الوعي أيضا غياب البرامج التلفزيونية والتحقيقات الصحفية التى تكشف جوانب من هذا الفساد الذي سيكون سبب لخراب هذا البلد.    

                                                                                                     

حتى على المستوى السياسي يلاحظ غياب تام للإهتمام بقضايا الثروة الوطنية وغياب المؤتمرات الصحفية والتحقيقات التى من المفترض ان تقوم بها الهيآت الإقتصادية في الأحزاب السياسية ، غياب الوعي بأهمية مراقبة الثروة الوطنية و الحفاظ عليها والاهتمام بمداخيلها ومراقبة الاتفاقيات من قبل هيآت المجتمع المدني والصحافة والإعلام والكتل البرلمانية جعل هذه الثروة ضحية لتلاعب كبير من نظام الجنرال و مقربيه وأعوانه وسط غياب أي اثر ملموس على حياة الناس و معيشتها.                 

هل يمر بيع منجم أسنيم ، مرور الكرام والبلد يعيش وضعا مزريا من الناحية الاقتصادية،  مكبل بالديون  ، غارق في الفقر والبطالة ، إن التصامم عن هذا القرار الارتجالي الخطير  تهديد لمستقبلنا ومستقبل أجيالنا و الصمت تجاهه سندفع ثمنه جميعا. فهل يعى العقلاء خطورة الوضع وضرورة التحرك لوقف هذه الصفقات.

الإمام محمد محمود



 

       

بحث